قديما قال نصـر[1] مستجيـرًا *** أأيـقـاظ أُميـة أم نيــام
ونار قد تبدت فـي خفـاء *** فأوجـس أن يكون لها ضـرام
فما حـال ابن سيـار إذا ما *** رأى ممـا أراه ومـا الكـلام؟
أرى في الأفق ألسنـة لنـار *** ويوشـك أن يبـادرنا الحِمـام
ولولا دعـوة المختار فينـا[2] *** حسبـت الصخرَ[3] يمطرُنا الغمام
جراح ذلـة قهـر هـوان *** وأهـوال يشيـب لهـا الغـلام
يموت اليوم إخـوان لديـن *** وظـن البعـض أنـا لا نـلام
وخالوا الجهد أن قاموا ليدعوا *** ومطعمهـم وملبسهـم حـرام
وقالوا قد يجيء النصـر طوعًا *** نظرنا كَمْ وكَمْ...عـامٌ...فعام
دعَوْنا خصمنـا أن يأكلـونا *** كما يدعو إلى الأكـل الطعـام
فنـادوا اِتبعونا! أن هلمـوا! *** كما قد قـص غيركمو فقاموا!
وأسقونا شراب النحل حـلوًا *** وممـزوجًا به السـم الـزؤام
وأنسونا مقالة ديك شوقي[4] *** بأن ديـن الثعـالـب لا يرام
وفَتُّوا لُحمة الإسـلام منـا *** فعمَّ البغـض فينـا والخصـام
ومات المـارد الكَلُّ المريض *** ونُسُّوا كـم مجائده العظــام
فصرنا كعكـة بخـوان قوم *** وقُسِّمنا... لبئس الاقتســام!
تشرذمنـا دويلات لعـرق *** وعـدنا القهقرى، وهم أمـام
لسان القول أن عيش كريم *** وحـال القوم أكرمهم يضـام
كأيتـام بمأدبـة جيــاع *** وعيشتهـم بما جـاد اللئـام
نسينا بعضنا بعضًا، تركنـا *** عُرا الإسلام يعـروها الفصـام
فكيف اليوم أو بغدٍ إذا مـا *** نمـوت إذًا وللـه الــدوام؟
ودعوة ربنا فينـا صـراح *** بأن دمكم وعرضـكم حـرام
فما عذري وعذرك في دماهم *** إذا ما قـام للحشـر الأنـام
ألا لبـوا نـداء الله فيكـم *** وهبوا يعطِكم منه الوســام
فإن ننفر فتلك جنان خلـد *** وإن نثقـل فقد ساء الختـام[5]
ودعوانا أن انصر يا مغيثي *** وأيقـظ من همـو فينا نيـام
--------------------------------------------------------------------------------
[1] نصر بن سيار آخر ولاة الأمويين على خراسان وقد استفحل أمر الدعوة العباسية في عهده بخراسان، وكان من ضمن ما كتب إلى آخر خلفاء بني أمية يحذره:
أرى خَلَلَ الرماد وميـض نار *** وأخشى أن يكون لها ضرام
فإن النار بالعوديـن تزكـو *** وإن الحرب أولهـا كـلام
أقول من التعجب ليت شعري *** أأيقـاظ أميـة أم نيـام
[2] استبطأ قوم نزول الأمطار في عهد أحد التابعين (قيل: الحسن البصري)، فقال لهم: "أنتم تستبطئون نزول المطر، وأنا أستبطئ نزول الحجر من السماء".
[3] عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "سألت ربي عز وجل ثلاث خصال، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة؛ سألت ربي أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم فأعطانيها، فسألت ربي عز وجل أن لا يظهر علينا عدوًّا من غيرنا فأعطانيها، فسألت ربي أن لا يلبسنا شيعًا فمنعنيها".
[4] كتب أحمد شوقي:
بـرز الثعـلـب يومًا *** في ثيـاب الواعظينا
فمشى في الأرض يهدي *** ويسـبّ الماكرينا
واطلبوا الديـك يؤذن *** لصـلاة الصبح فينا
فأجاب الديك: عذرًا *** يا أضـلّ المهتدينـا
مخطئٌ من ظـنّ يومًا *** أنّ للثعلـب دينـا
[5] يقول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل * إلا تنفروا يعذبكم عذابًا أليمًا ويستبدل قومًا غيركم ولا تضروه شيئًا والله على كل شيء قدير" (التوبة: 38، 39).
الكاتب: سناء محمد العربي
المصدر: موقع قصة الإسلام